ضع إيميلك ليصلك كل جديد المدونة

ما هي علوم التربية؟

ما هي علوم التربية؟


تشكّل التّربية بجوانبها المختلفة و مجالاتها المتنوّعة قضيّةً أساسيّةً لنهوض المجتمعات المعاصرة و رفعتها ، و جعل أفرادها قادرين باستمرار على العطاء و البذل بالاستناد إلى المعرفة و التّربية الأصيلة في نفوسهم و المكتسبة بأدوات التّعليم المختلفة عن طريق المربّين و الموجّهين و المعلّمين ، فالتّربية لغةً هي من ربا أي زاد و نما ، و في الآية الكريمة قوله تعالى ( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت و ربت ) ، أي أنبتت الزّرع و أحياها الله من بعد موات و بوار ، و في آية اخرى ( و لكن كونوا ربّانيين بما كنتم تعلّمون الكتاب و بما كنتم تدرسون ) ، فأطلق الله سبحانه و تعالى لفظ الرّبانيين على كلّ إنسانٍ يعلم إنساناً و يتعاهده بذلك منذ الصّغر ، أمّا التّربية اصطلاحاً فهي تشمل كلّ الأعمال و العمليات التي يقوم بها أفرادٌ معيّنون مؤهّلين لذلك باستخدام أدواتٍ مختلفةٍ لتنمية قدرات الإنسان الخلقيّة و النّفسيّة و الجسديّة و تنميتها و تطويرها باستمرار لتكتمل تلك القدرات في صورةٍ تجعل الفرد قادراً على التّكيّف و التّفاعل مع مجتمعه ، و قادراً على العطاء و البذل و تأدية واجباته اتجاه مجتمعه و أمّته .

و هناك مفاهيم للتّربية تتعلق بالفرد حيث يتم تنمية مهاراته و تزويده بالمعرفة اللازمة حتى يجاري العصر و متطلباته و مسؤولياته و يطلق على ذلك التّربية الفرديّة ، و هناك التّربية التي تتعلق بالمجتمع و تسمّى التّربية المجتمعيّة و هي التّربية التي تتعلّق بتزويد الفرد بمتطلبات التّكيف مع مجتمعه بتعليمه أنماط السّلوك الاجتماعي المناسب و تزويده بالخبرات و المعرفة عن تاريخ مجتمعه و حضارته و أساليب العيش فيه و عادات أفراده و تقاليدهم ، و هناك تربيةٌ مثاليّةٌ تقوم أساساً على إطلاع الفرد على نماذج مثاليّةٍ لأفراد ناجحين في حياتهم و الإقتداء بهم ، و السّعى للوصول للمثل العليا في المجتمع ما أمكن ، و قد عبّر بعض العلماء كالفارابي عن ذلك المفهوم في كتبهم و خاصة كتاب المدينة الفاضلة . و هناك خصائص للتّربية منها أنّها عمليّةٌ تكامليّةٌ بين ثلاثة أطراف المربّي و الطرف الذي يتم تربيته و تعلميه و الوسط التّربوي الذي تتم فيه العملية التّربويّة ، و من خصائصها كذلك الاستمراريّة ، فالتّربية هي عمليةٌ مستمرةٌ لضمان استمرار حصول الفرد على المعرفة و العلم حتّى الوصول للهدف المنشود .

ما هي فلسفة التربية
التربية والتهذيب كما العلم هما غايتان عظيمتان من غايات البشر خلال حياتهم، فالتربية هي التي تحدد سلوك الإنسان مع محيطه من بشر أو جمادات أو باقي المخلوقات، أما التعليم فهو الذي يكسب الإنسان تعمقاً وفهماً في القوانين التي تحكم هذا العالم، كما أنه يعتبر الوسيلة التي يستطيع الإنسان بها تحديد خياراته وتوجهاته الفكرية والعقلية، كما يستطيع به بناء على التراكمات أن يبني خبرات هائلة في علم معين أو مجموعة علوم مما يضيف إلى حصيلة المعرفة البشرية الكم الهائل من الإنجازات العلمية في كافة الحقول. لهذا يجب أن تحظى هاتان العمليتان التربية والتعليم باهتمام الجهات المسؤولة في الدولة والمختصين والأهل وكل من له علاقة بهما من قريب أو بعيد، نظراً لأهميتهما القصوى في إنشاء الأجيال الجديدة وتأهيلها لتكون قادرة على التقدم والنجاح وقيادة بلدانها نحو القمم العالية. ففلسفة التربية أو التعليم، هي ما يعنى بدراسة طرق تتطوير التربية والتعليم وتحسينهما المستمرين على امتداد الاجيال المتعاقبة ومحاولة إيجاد الحلول الناجعة للمشاكل التي تعترض هاتين العمليتين، ونظراً للتباين الشديد بين المفكرين والفلاسفة واختلافهم في طرق تفكيرهم والتي تتأثر بمحيطهم وواقعهم بشكل رئيسي، فقد وجدت عدة أنواع لفلسفة التعليم عبر امتاد العصور والأزمان والحقب، ولكل نوع او مدرسة رواد تلقفوا أفكار هذه المدرسة وعملوا على تطويرها بما يصب في خدمة الصالح العام بين الناس، ومنها المذهب المثالي ومن رواده أفلاطون وكانط، أما المذهب الواقعي فقد أثر في أرسطو وابن طفيل وابن سينا وجون لوك وجان جاك روسو، أما المذهب البراغماتي فمن رواده جون ديوي وويليام جيمس وريتشارد رورتي، وهناك الفلسفة السكولائية وقد أثرت في جون ديوي ووليام جمس، بالإضافة إلى العديد من المدارس والمذاهب والأفكار الأخرى والتي استطاعت سلب عقول العديد من الرواد والمفكرين والفلاسفة حول العالم أجمع. وما يعانيه العقل العربي من مشاكل تربوية وتعليمية، هو بسبب عدم الدراسة الجادة والموضوعية لهذه الأساليب وهذه الفلسفة، فأغلب من يدرسون التخصصات التربوية في الجامعات الرسمية والخاصة في دولنا العربية هم من لم يجدوا أي تخصص آخر يقبل بهم بسبب تدني معدلاتهم في الثانوية العامة، هذا عدا عن النظرة الدونية لدارسي هذه التخصصات خصوصاً ممن درسوا العلوم والتخصصات العلمية كالطب والهندسة، فهذه الثقافة المنتشرة في مجتمعاتنا أفرزت سياسات تعليمية وتربوية فاشلة أوصلت الأجيال إلى ما هي عليه الآن، وأوصلت العملية التعليمية أيضاً إلى قاع القاع، وكم أحيي جميع من درس هذه التخصصات عن رغبة واقتناع تامين وإرادة جادة في الإصلاح والتغيير.

لماذا ندرس الفلسفة
الفلسفة كلمة اشتقت من المصطلح اليوناني ( فيلوسوفيا ) ، وتعني طلب المعرفة أو البحث عن الحقيقة ، من هنا نتعلم لماذا نتعمق في دراسة الفلسفة ، وذلك لمعرفة الحقيقة ، حقيقة كل ما يدور حولنا من من ظواهر واستفهامات ، إبتداءاً بحقيقة الإنسان نفسه ، وماهيته، وعلى الرغم من أن هذا هو المعنى العام للفلسفة ، ولكن من الصعب تحديد مفهوم دقيق للمعنى ، ولكن بشكلٍ عام فإنها تشير إلى مجهود انساني قديم جداً ، يدور حول ممارسة عملية أو نظرية عرفت سابقاً في مختلف الثقافات أو المجتمعات البشرية منذ أقدم العصور . أما عن ماهية الفلسفة فهو سؤال فلسفي يقبل نقاشاً طويلاً ، وهذه إحدى سمات الفلسفة لميلها للتساؤل في كل أمر ، والبحث عن الإجابات الدقيقة لهذا الأمر وعن ماهيته والقوانين التي تحكم هذا الأمر ، لذلك كان علم الفلسفة متشعباً واسعاً ، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بكافة العلوم ، وهذا سبب تفردها عن باقي العلوم ، وتوصف بكونها ( التفكير x التفكير ) ، أي التفكير في طبيعة هذا لتفكير والتدبر والتأمل ، ومحاولة لإيجاد إجابات عن الأسئلة المطروحة . أول فيلسوف حكيم هو فيثاغورس ، حيث جعل من الحكمة هي المعرفة القائمة على نوع من التأمل ، وحب الحكمة هو نوع من البحث عن الحقيقة ، وقام من بعده الإغريق بتأسيس القواعد الأساسية للفلسفة ، كنوع من العلم يحاول إيجاد نظرة شمولية للكون ضمن حدود النظرة الواقعية ، أما الفلاسفة المسلمين فقد كان ميلهم لفلاسفة اليونان ، وقاموا بتحويل فلسفة الواقع إلى فلسفة إسمية ، وتحويلها فيما بعد إلى فلسفة علم وتجربة . حديثاً ففي المملكة المتحدة وأمريكا الشمالية فإن الفلسفة تكاد تكون الفلسفة تقنيه بحتة ترتكز على ( التحليل المفهومي و المنطق ) ، بحيث تشمل في اهتماماتها الأخلاق ونظرية المعرفة ، وطبيعة العقل واللغة ، وفي ثقافاتٍ أخرى فإن الفلسفة هي دراسة العلوم والفن ، لتتكون في أعماقه تلك النظرة الشمولية العامة ، ومن هنا نستنتج بأن من مهام الفلسفة الرئيسية تحديد طريقة مثالية للحياة ، وليس محاولة تفهم هذه الحياة ، أما المنحى التحليلي يعتبر الفلسفة شيء عملي وجب ممارستها ، وفي مفاهيم أخرى فتعتبر الفلسفة أساس المعرفة الذي وجب تفهمه واتقانه جيداً . وتستخدم لفظة الفلسفة حديثاً لتشير إلى السعي إلى معرفة أمور جوهرية في حياة الإنسان ، كالحياة والموت والواقع ...إلخ ، والحديث عنها لا يرتبط بالحضارة اليونانية وحسب ، لأنها تعد جزءاً مهماً في حضارة كل الأمم ، لتشعب المعنى الحقيقي للفلسفة ، وعدم انحساره بتعريف محدد ، ابتدأت قديماً وتحديداً في عصر ( طاليس ) تبحث عن إجابة في أصل الوجود ، ومن صنعه ، وأساس المادة التي وجد منها الوجود بعناصره الأساسية ، لتدخل الإجابة في التغليط والتضليل ، لتغلي وجهة نظر الفلاسفة اللاحقين ، ليأتي زمن ( سقراط ) ، ووصفه (شيشرون ) بأنه قد أنزل الفلسفة من السماء للأرض ، لتحويله التفكير من مجرد التفكير في الكون وعناصر تكوينه ، إلى البحث الأكثر غموضاً وهي ( الذات الإنسانيّة ) ، لتبحث في جوهر الإنسان وطبيعته ودرجة إيمانه بالخالق ، وطريقته في البحث عنه ، واستخدام الأدلة العقلية في إثباته ، واستخدم سقراط الفلسفة في نشر الصدق والمحبة والفضيلة بين الناس ، ليأتي بعده أفلاطون و أرسطو للبحث في أداتي ( العقل والمنطق ) ، كأساسيين في التفكير المنطقي السليم ، والمرتبط بقواعد تؤكد صحة هذا التفكير أو بطلانه ، حيث أجاب أرسطو عن مفهوم الفلسفة موضحاً بأن هذا المفهوم يرتبط بماهية الإنسان التي تجعله طالباً لتلك المعرفة ، وبطبيعة الفلسفة فإن هذا التعريف لا تحدد طبيعة الفلسفة ، لأنها ليست التعريف الأوحد لهذا المفهوم ، وقابل للتغيير في كل زمانٍ ومكان ، ولكن وبرغم مرور آلاف الأعوام منذ أدلى أرسطو بتعريفه للفلسفة حتى يومنا هذا وبرغم التغيرات الكبيرة والهائلة في جميع الميادين والمعرفة والعلوم ، إلا أن الفلسفة بقيت هي نفسها ، إلا أن الفيلسوف في أيامنا بات مقيداً بالكثير من القوانين المنطقية والمناهج ، وعلومات مكتسبة من النظريات العلمية والتطبيقات التكنولوجية ، ومن هنا لم يعد التعريف للفلسفة متوافقاً مع الدور الذي يمكن الفيلسوف من القيام به ، والذي يختلف إلى حدٍ كبير عن أدوار اسلافه في العصور السابقة . والحديث يطول كثيراً في البحث حول هذا الموضوع الشائك ، إلى ما لا نهاية ، إو إلى حين تحديد ومعرفة المعنى الأساسي للفلسفة عوضاُ عن تشعب التعريف .

فما معنى اذن علوم التربية؟ 
هناك عدة مقاربات لهذا المفهوم التربوي الإ اني سأكتفي بالأهم منها،وفي هذا المجال يقول غاستون ميالاري ان علوم التربية هي:[مجموع الحقول المعرفية التي تدرس الأحداث والوضعيات التربوية وتفهمها داخل سياقاتهاالتاريخية والإجتماعية والإقتصادية والنفسية والسياسية].

انه مصطلح استعمل حديثا للإشارة الى مجموعة من الأبحاث والدراسات المتنوعة الإختصاصات التي تناولت التربية من مختلف الزوايا.ورغم حداثة هذه العلوم فإنها استطاعت أن تراكم عددا هائلا من النظريات والنماذج التفسيرية ،كما أنها تمكنت من تطوير اساليب ومناهج في البحث،جعلتها ترقى الى وضع العلوم "المعترف بها "من طرف المجتمع العلمي الدولي،حتى وان كانت تتداخل مع اختصاصات اخرى لا تهتم مباشرة بالتربية.غيران ما يضمن وحدتها هو موضوعها المشترك،أي التربية،وهو نفس الموضوع الذي يبرر تنوعهاوتعددها ،نظرا لأبعادها المتشعبة.رغم هذا التعدد،فان بعض التصنيفات استطاعت أن تستجلي هذه العلوم التربوية.وخاصة تصنيف الباحث الفرنسي "غاستون ميالاري" الذي حددها في العلوم التالية (1):

1.فلسفة التربية:وهي ليست بعلم بالمعنى الدقيق للكلمة ،بل انها تخصص أساسي يساهم في فهم طبيعة الغايات التربوية الكبرى، في اطار انساق تبرر العمل التربوي فلسفيا،وتحاول ربطه بالتجربة الإنسانية(ريول).

2.تاريخ التربية:ويهتم بالدراسات (التطويرية)للنظريات والمؤسسات التربوية مع الإهتمام ايضا بتطور "طرق التوظيف(توظيف المربين)وآليات التوجيه المهنية للتلاميذ والمحتويات والطرق والتقنيات التعليمية(أ-ليون).

3.سوسيولوجيا التربية:وتهتم بتحليل وضع المؤسسات التربوية(المدرسة على الخصوص) في المجتمع والعلاقات القائمة بين المدرسة والمجتمع،إضافة الى اهتمامها بمكانة العاملين من الناحية الإجتماعية،ويمكن ان تدخل دراسة المدرسة كمجتمع مصغر يختزل مكونات المجتمع الأكبر،في دائرة اهتمام سوسيولوجيا التربيةايضا(ميالاري).


4.اثنولوجيا التربية:وتهتم بالطرق التي تستعمل اجتماعيا في تربية الطفل ضمن سياقات سوسيوثقافية مختلفة،وهدفها وصف وفهم ومقارنة هذه الوقائع دون حكم مسبق ودون اهتمام أكبربالناحية التطبيقية(ميلاري).


5.الديموغرافيا المدرسية:وتهتم بوصف حالة الأعداد المدرسية من التلاميذوالطلبة من خلال سماتهم المختلفة(السن،الجنس،نمط المدرسة،المقاطعة الإدارية،الفئات المهنية للآباء،الوسط الحضري والقروي،والطبقة الإجتماعية..)وربط ذلك بالتوجيه المدرسي وبظاهرة التكراروالإنقطاع عن الدراسة...،يضاف الى ذلك كله الإهتمام بمعدلات التمدرس في المجتمع ومستويات التردد على المدارس داخل الجماعات المختلفة(ميالاري وكليرك).

6.اقتصاد التربية:ويتحدد مجاله في دراسة المردود العام لمختلف المستويات الدراسية ،وفي قياس مساهمة التربية في التطور الإقتصادي (تكلفة التربية،العلاقة مع سوق الشغل وتمويل التربية...)(أوريفيل).